شارك
|

الشهيد البطل الرائد البحري "بلال مكية"

تاريخ النشر : 2015-09-12

في تشرين كان الموعد مع هذا البطل الجسور الهمام الذي فاقت شجاعته حدود الوصف وتخطت آفاق الخيال، حينما خاض واحدة من أشرف المعارك العسكرية التي عرفتها سواحل البحر الأبيض المتوسط على امتداد الحقب الماضية، وليؤكد من خلالها أن في القوات البحرية، أبطالاً ميامين، قلوبهم من لحم تفوّلَذ، تسري في عروقهم دماء الجسارة.


ذلك أن الشاب المقدام بلال محمد مكيّة الذي ولد في شارع مظهر ارسلان بحي الصليبة بمدينة جبلة الأدهمية عام 1945 ، قد أظهر نبوغاً لافتاً على أقرانه، تمثل في حصوله على المراكز الأولى في نتائج الشهادتين الإعدادية والثانوية على مستوى محافظة اللاذقية، لكن على الرغم من تفوقه وتميزه وتمكنه من الانتساب لإحدى الكليات العلمية المرموقة كالطب أو الصيدلة أو الهندسة، إلا أنه كان يحلم بارتقاء سلم المجد العسكري، فآثر الالتحاق بالكلية البحرية ليتفوق أيضاً على رفاقه وينال المراتب الأولى على دفعته، فاستحق بذلك إعجاب جميع رؤسائه، ما أهله للترشح لدورات تدريبية في الصواريخ بروسيا (الاتحاد السوفييتي سابقاً)، لينهل من مختلف العلوم العسكرية البحرية ، كوضع الخطط وتنفيذ المهام والاستعداد للمعركة والاستطلاع البحري وجمع المعلومات، بالإضافة إلى قيادة الزوارق والطوربيدات السريعة في العمليات الحربية، واستخدام الأسلحة الخاصة تحت الماء، مثل الغواصات وكيفية زراعة الألغام ... وكانت النتيجة المبهرة بنيله المراكز الأولى متفوقاً على رفاقه الروس أيضاً..


بعد عودته إلى بلاده والتحاقه بموقعه العسكري، كان الضابط البحري بلال مكية الممتلئ ثقة واعتزازاً بالنفس، تجرحه آثار الهزيمة التي مني بها وطنه في نكسة حزيران 1967 ، التي لم يكن للقوات البحرية أي دور فيها ، فيتطلع بعزيمته الوثابة واصراره الجامح، للمشاركة في معركة مشرفة تزيل آثار العدوان الإسرائيلي، ويستعيد من خلالها الوطن كبريائه وكرامته المسلوبة.

ويأتي الموعد الذي انتظره بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر، هنا على سواحلنا المنيعة، في أعقاب حرب تشرين عام 1973 ، وفي مركز العمليات الرئيسي للقوات البحرية باللاذقية ، أنظار الجميع معلقة على شاشات الرادار ، تتأهب للإبلاغ عن أي عملية اختراق للمياه الإقليمية السورية، ضابط الاتصال بالقوات البحرية يسجل تجاوز بارجة إسرائيلية وتدنيسها لمياهنا واستعدادها لشن عدوانها السافر ، أنظار القائد تتجه لاختيار البطل الصنديد بلال مكية ، للقيام بعملية التصدي للبارجة ، يفرح البطل، تغمره نشوة الثقة بالنصر، يترأس فرقته ويقود زورقه السريع كالنسر الذي ينطلق من القمة الشماء ، تلوح بخاطره رايات الأجداد في معركة ذات الصواري المظفرة التي سحقت أساطيل الروم وأنهت سيطرتهم على سواحل المتوسط ، يتردد حوله صدى الشيخ الشهيد عز الدين القسام ابن مدينته وهو يقود ثوار فلسطين في أحراش يعبد بجنين ، يقتفي خطوات الشهيد جول جمال الذي دمر بزورقه البارجة الفرنسية ( جان بار) ابان العدوان الثلاثي على مصر 1956.

وفي عرض البحر في ذاك اليوم العظيم المشهود، يندفع البطل الشجاع بقلب لا يقاربه الخوف أو الوجل، ونفس لا تهاب الموت أو الانكسار، يخترق بصواريخ زورقه البارجة الإسرائيلية ويدمرها، وتصيبه قذيفه غادرة ليتناثر جسده الطاهر في مياه بحرنا الغاضب، يسقط البطل الرائد البحري بلال مكية شهيداً ، بعدما سطر أروع ملاحم البطولة والفداء ، سجلها التاريخ البحري العسكري، لتعيد عمليته البطولية، الثقة والكبرياء للوطن، ولتبقى ذكرى الشهيد البطل الرائد بلال مكية منارة للأجيال، يستعيدها الأبناء والأحفاد ، بكل الفخر والاعتزاز. كما يستعيدها كل فارس مغوار يغار على وطنه، ويفتديه بكل ما يملك من قوة ، ويحميه بروحه ودمائه ..

وتخليداً لذكراه فقد سميت مدرسة في مدينة جبلة باسمه.


عدد القراءات: 12266