شارك
|

امرأة سورية ... "أليسار" مؤسسة وملكة "قرطاجة"

تاريخ النشر : 2015-10-20

أليسار، بانية مدينة "قرطاجة" على شاطئ "تونس"، هي أميرة من الساحل السوري إبنة "متّان" الأول ملك صور (850-821ق.م)، وهي إحدى المملكات على الشاطئ الفينيقي ... مشهورة بجمالها وحكمتها وطموحاتها الكبيرة ...


أوصى أبوها لها ولأخيها "بغماليون" بالمُلك بعد وفاته، ولكن أهالي صور رفضوا هذه المقاسمة وطالبوا بأن تكون مدينتهم ذات سيادة موحدة، مما أثار إنشقاقاً داخل العائلة المالكة، وخاصة بعد زواج "أليسار" من "زيكار بعل" الكاهن الأكبر في هيكل الإله "ملكارت" الذي كان يتمتع بصلاحيات كبيرة توازي صلاحيات الملك ...


ونتيجة ذلك استأثر أخاها بالمُلك، بعد أن عمد إلى قتل زوجها وعزم على الاستيلاء على ثروته وأمواله الطائلة ..

حزنتْ "أليسار" كثيراً لذلك، وشعرتْ بالخطر وأن حياتها أصبحت مهددة من قبل أخيها، فقررت الهرب من "صور" باستخدام الحيلة ...


وحسبما تُحدثنا الروايات بشكل يشبه الأساطير، نَقلت أليسار أموالها في إحدى الليالي إلى سفن كانت قدحشدتها بالمرفأ، وصعدت إليها يرافقها عدد كبير من أنصارها، ومن أبرزهم "برقة" وهو جد العائلة التي أشتهر منها فيما بعد بالتاريخ العسكري "أميل كار أو هميلقار" و"هنيبعل"...


وانطلقوا إلى أولى المحطات "قبرص" التي رسوا على شواطئها ونظموا فيها أمورهم، وأوعزتْ للشبان العازبين من مرافقيها بالزواج من بنات الجزيرة ليرافقنهم في رحلتهم الطويلة ...
ومن قبرص انطلقوا باتجاه شواطئ شمال إفريقيا، حيث تعيش شعوب من البربر، زعيمهم الملك “يابون هارياس”...


وتُنسج روايات كثيرة حول ما جرى لاحقاً، حيث تقول إحدى الروايات: إن "أليسار" طلبت من الملك منحها قطعة أرض بمساحة جلد الثور على شكل نصف دائرة، وبعد أن وافق الملك، أعطت أليسار الأوامر لرجالها بتحويل جلد الثور إلى خيوط رفيعة جدا تمتد لمسافة طويلة ثم لفها حول قطعة أرض ساحلية لتحيط بأكبر مساحة ممكنة ...


وفي العام (٨١٤ ق.م) باشرتْ "أليسار" ببناء مدينتها الصغيرة التي أطلقت عليها اسم "قرطاجة" ومعناها بالفينيقية / الكنعانية "قرت - جدة" أي "القرية - الجديدة"، ثم أُدغم هذا الاسم وصار فيما بعد في التاريخ "قرطاجة" ثم "قرطاج" ...


وبعد فترة قصيرة زار "يابون" المدينة وذهل بما شاهده، وطلب الزواج من أليسار كمقابل ما أعطاه لها، فأبدت موافقة بشرط أن يتم الزفاف بعد 3 أشهر من استكمال بناء مدينتها ومقر إقامتها ... وتقول إحدى الروايات: إنه خلال حفل الزواج وبعد أن اطمأنت على مدينتها .. ألقت بنفسها في النار مفضلة الموت حرقا على الرضوخ والزواج من ذلك البربري ...
وتقول أخرى: إن أليسار بعدما ضمنت عدم نكوص يابون بوعده دخلتْ إلى هيكل شيدته على اسم زوجها الأول وطعنت نفسها من باب الوفاء له ...


على أية حال، فإن تحليل الأمور تاريخياً وبحوث بعض المؤرخين تؤكد أن الحصول على تلك الأرض كان مقابل إيجار دفعته أليسار من الذهب والكنوز التي كانت تحملها، وظل أبناء قرطاجة من بعدها لقرنين من الزمن يسددون الإيجار قبل أن تبسط إمبراطورية قرطاجة نفوذها على مساحات واسعة من شمال إفريقيا وحوض البحر المتوسط، وتساهم ببناء 200 مدينة ومستوطنة تابعة لقرطاجة ...


تميزت قرطاجة بهندسة خلابة سابقة لعصرها، وازدهرت حضارتها نتيجة للتجارة، وبنى القرطاجيون مرفأين على سواحل المدينة وعززوها بقلعة للحماية ...


ومع بدء الغزوات الآشورية لسواحل فينيقيا، وتحديداً "صيدا" و"صور" و"طرابلس" لجأ الكثير من سكان هذه المدن إلى قرطاجة ... وكذلك فعلوا في القرن السادس قبل الميلاد عندما اجتاحتهم جيوش "نبوخذ نصر" البابلية، وفي القرن الرابع قبل الميلاد عندما أخضع "الاسكندر المقدوني" مدينة "صور" بعد حصار طويل ...


صمدت "قرطاجة" بقوة بوجه اليونانيين ومن بعدهم الرومان، ولم تتعرض لتهديد حقيقي إلا مع بداية الحروب "البونية" وتحديدا الحرب الأولى (263 - 241 ق.م) والتي احتل الرومان خلالها جزيرة صقلية ...


ثم انهارت في الحرب "البونية" الثانية، وزالت عن الوجود في الحرب "البونية" الثالثة عام (146 ق.م) ...
وحتى اللحظة الأخيرة، ظلت "أليسار" تُعْبد وتكرم في "قرطاجة" حيث بنى لها القرطاجيون معبداً خاصاً واستمروا يتناقلون القصص حول حياتها المثيرة.


عدد القراءات: 9676

اخر الأخبار