شارك
|

متحف الطب و العلوم بدمشق.. الوجه المشرق للطب عند العرب

تاريخ النشر : 2016-08-15

تقرير: أمين عوض

عندما كان الظلام في كل العالم .. كانت دمشق، دمشق الخالدة في ذاكرة البشرية جمعاء لا يمحو شيئاً من تاريخها الزمن، حكايات الأحجار والطرقات أزلية تأبى الرحيل والوداع, والحال ينطبق عل كل ركنٍ و زاوية في المدينة اللامتناهية السحر ولعل واحدةٍ من تلك الصور، تلك التي تقع في قلب العاصمة السورية دمشق، وفي منطقة الحريقة، وعلى مسافةٍ غير بعيدة عن الجامع الأموي الشهير، مبنى متحف الطب والعلوم الذي كان ومازال شاهداً على زمنٍ كانت دمشق فيه زاخرةٍ بالإنجازات العلمية العربية والإسلامية.


موقع "المغترب السوري" زار المتحف والتقى الدكتورة ميشلين أبو سكة مديرة المتحف التي حدثتنا عن تاريخ هذا المعلم الحضاري الآبد.


قالت الدكتورة أبو سكة: "المبنى كان قد أنشأه السلطان نور الدين زنكي عام 1154م كفاتحة أعماله وأعظمها في بلاد الشام من المنشآت المدنية، وقد ظل يؤدي وظيفته كمستشفى مركزي وجامعةٍ طبية في ذلك الوقت, حيث أطلق عليه لسم البيمارستان النوري، وعملت مديرية الآثار السورية على ترميم هذا المكان قبل ثلاثين سنة، وحولته إلى متحفٍ للطب والعلوم عند العرب، وهو يستقطب اليوم أعداداً كبيرةً من الزوار، سيما أولئك المغتربين و الباحثين عن التميز في فن العمار".


وتابعت الدكتورة أبو سكة واصفةً لنا الفن المعماري الذي يمتاز به هذا المكان الساحر: "مدخل البيمارستان في الجهة الغربية له بابٌ ذو مصراعين من الخشب، مُصفّحين بالنّحاس ومُزخرفين بالمسامير النحاسية الموزعة هندسيًا, و كما تلاحظون تعلو بوابة البيمارستان زخارف جصّيةٌ جميلة صُمّمَت من تسع مداميك، وهذا النوع من التشكيل فنٌ جديدٌ أتى إلى سورية مع السلاجقة، حيث تُشاَهَد الأقواس المؤلّفة من سبعة فصوص، يلي الباب غرفةٌ مربعة تقوم مقام الدّهليز، وهي من أجمل غُرَف المبنى، مزودةٌ بإيوانين صغيرين شمالي وجنوبي، مسقوفين بعقدٍ مزينة بزخارف ذات أقواس ومقرنصات جصّية تشابه زخارف بوابة المتحف, تنفتح الغرفة من الجهة الجنوبية على صحن البيمارستان المستطيل الشكل الذي تتوسّطه بركة ماء، ويحيط بالصّحن أربعة أواوين، تنفتح على جانبيّ كل إيوانٍ غرفتان, والغُرَف مسقوفة بالعقود المُتقاطعة التي كانت يوماً غرفاً يقبع فيها المرضى و الزوار من أقاربهم".


وأضافت أبو سكة: "كان المبنى قد استقبل في غضون السنوات الماضية مجموعةً من المجسمات المعبرة عن التعليم الطبي في البيمارستان، التي وضعت في الإيوان الشرقي الكبير من المبنى، بالإضافة إلى مجسمٍ آخر يمثل الفحص السريري في الطب العربي، وضع في قاعة الطب من المتحف، ومجسمٌ ثالث يعبر عن الاستشارة الطبية من المعاينة للمريض حتى وصف الدواء، التي كانت تحصل في البيمارستان. ووضع المجسم في قاعة الصيدلة بالمتحف".


وعن كتب التاريخ :" البيمارستان كان مشتملاً على أقسامٍ مرتبة، لكل منها أطباؤه المتخصصون المشرفون عليه، ومن هذه الأقسام قسم الأمراض الباطنية, وقسم الجراحة وقسم أمراض العيون، وقسم التجبير وقسم الأمراض النفسية والعقلية, ولقد تفنن أطباء بيمارستان النوري في أساليب معالجة المرضى، حتى اهتدوا إلى المعالجة بالموسيقى حيث كانت الأجواء الموسيقية تروح عن المرضى وتسليهم عن آلامهم، كذلك كانوا يجلبون القصاصين والمنشدين إلى قاعات المرضى فيه، بل كان المؤذنون ينشدون على المآذن قبل الفجر بساعتين بأنغامٍ شجية، تخفيفاً لعناء السهر على المرضى المؤرقين".


و الأمر الذي لا يمكن إغفاله قالت أبو سكة : "إن عدداً من أشهر الأطباء العرب والمسلمين عملوا في البيمارستان النوري، من أبرزهم ابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى، والطبيب ابن أبي أصيبعة، ورضي الدين الرحبي، وأبو المجد بن أبي الحكم، وعماد الدين الدنيسري، وآخرون".


في هذا المكان و بين هذه الأحجار وحول هذه البحرة, بدأ كل شيء كان الدواء الأول و العلاج الأول و بارقة الأمل الأولى لكل مريضٍ و لكل متألمٍ, لم تكن خزعبلات الجهل في الأرض المظلمة تجدي مع علله نفعاً...فكان ابن سينا وكان القرشي وكان النبوغ العلمي والطبي في أولى فصوله..و مرةً أخرى من هنا من دمشق .


عدد القراءات: 12518