هي قلعة أثرية في قرية يحمور التي تتبع لناحية خربة المعزة في مدينة طرطوس الساحلية. أقيمت أيام احتلال الفرنجة للساحل السوري في القرن الثاني عشر الميلادي كمعقل صليبي صغير في شمال غرب سورية، وكانت تستخدم كمركز مراقبة وارتباط بين القلاع الساحلية. ومن الجدير بالذكر أنها سمّيت باليحمور نسبة إلى لون حجارتها الحُمر.
تعدّ "القلعة الحمراء" من المواقع الأثرية ذات الإرث الحضاري الثقافي الكبير، وموقعاً سياحياً متميزاً ومقصداً مهماً غنياً بالمكتشفات الأثرية لعدد كبير من المواطنين والمهتمين بالتاريخ، والمجموعات السياحية الزائرة لواحد من الصروح الأثرية السورية الخالدة حيث يأتي السياح إلى هذه القلعة من كل أنحاء العالم رغبةً بمشاهدتها والتمتع بجمالها وجمال الطبيعة الساحرة من حولها والتعرف على عراقة تاريخها.
تعد قلعة يحمور من أقدم مناطق ظهور الإنسان في عهد ما قبل التاريخ حسب الاكتشافات الأثرية، حيث أشارت اللقى المبعثرة التي وجدت فيها على قدمها كمنطقة سكن كونها تعود لفترات قديمة، فمنها من العصر الحجري، وأخرى من القرون الأولى الميلادية،
وقد كانت القلعة آهلة بالسكان لفترة قريبة إلا أنها خالية حالياً ,والمعلومات المتوفرة عن القلعة مبهمة للغاية.
موقع قلعة يحمور
تقع القلعة في قرية يحمور على بعد حوالي 8 كم جنوب شرق طرطوس و هي في أقصى الركن الجنوبي لسلسلة الجبال الساحلية حاليا، حيث تشرف على السهل الساحلي من طرطوس إلى جبال لبنان , و القلعة على اتصال بالنظر مع طرطوس شمالاً وعريمة جنوباً وما تزال الأساطير تروي ارتباطها بعمريت عن طريق نفق تحت الأرض، حيث تشكل مع برج ميعار وقلعة العريمة وطرابلس و أرواد وبرج صافيتا شبكة اتصالات متكاملة، وتقع القلعة في الطريق بين أرواد و عمريت و برج صافيتا و حصن سليمان.
أصل تسمية قلعة يحمور
سميت بالعربية قلعة يحمور وذلك نسبة للقرية الموجودة فيها أما باللاتينية فسميت بالقصر الأحمر وذلك بسبب الحجارة الحمراء التي بنيت منها القلعة.يوجد عدة مقولات لهذه التسمية والمقولة الأكثر شيوعاً هي أن القلعة سميت بهذا الاسم تيمناً بالأمير الفينيقي الذي حكمها قديماً يغمور, وتحول الاسم بالتدريج إلى يحمور.
أما المقولة الثانية فتقول: إن قلعة يحمور التي بنيت بالعهد البيزنطي كانت تسمى بالقصر الأحمر لأنها بنيت من الحجارة الرملية الحمراء، والمقولة الثالثة مستندة إلى التفسير العربي اللغوي في القاموس المحيط و (يحمور) تعني حمار الوحش ذا اللون الأحمر أو الغزال الأحمر وهذا ربما يشير على كثرة هذه الحيوانات في هذه المنطقة قديماً.
لمحة تاريخية عن قلعة يحمور
تقول الأسطورة عن القلعة أنه يوجد نفق طويل يصل بينها وبين آثار "عمريت"، وقيل أيضاً إن النسيج المعماري المشابه يدل على أنها كانت بمنزلة محطة مراقبة ونقطة ارتباط لمجموعة القلاع والحصون الموجودة على الشريط الساحلي، ويميل الظن إلى إقامتها فوق أبنية أقدم، الأمر الذي يؤكده العثور على مقبرة رومانية في جدارها، ووجود 777 بئراً لتجميع مياه الأمطار أيام الفينيقيين.
لا تتوفر معلومات دقيقة إلى الآن عن تاريخ بناء القلعة، وتمزج الأسطورة مع الوقائع حتى استولى عليها فرنجة "أنطاكية"، وامتلكها بعد ذلك عن طريق المصاهرة "كونتات طرابلس" عام 1112م رغم أنها كانت حصنا قبل ذلك وخطا دفاعيا متناسقا مع القلاع المجاورة على الأرجح ، ثم أهداها "ريموند الثالث" أمير "طرابلس" للاسبتارية؛ وهي إحدى الفرق الصليبية عام 1178بعد أن عوض شاغليها السابقين ببعض الأراضي في مكان آخر وفي العصر الصليبي بني هيكل مربع الشكل فيها، وحررها صلاح الدين الأيوبي من الصليبيين عام 1189م. وأعاد الفرنجة احتلالها إلى أن حررها السلطان المملوكي قلاوون عام 1289م.وفي الفترة الإسلامية، بنى العرب برجين في زوايا الجدار الخارجي، وهي من القلاع التي سجّلت أثرياً بالقرار 8 آ بتاريخ 14 شباط 1958.
تم بناء القلعة على أنقاض معبد فينيقي قديم وقد تم العثور على كتابات يونانية يعود بناؤها للملك البيزنطي قسطنطين حسب كتابات وجدت فيها وجددها الصليبيون بعد ذلك.بالنسبة للتاريخ الحديث لم تكن قرية يحمور مسكونة قبل القرن التاسع عشر وقد بدأ الناس بالتوافد إليها بعد زوال حكم السلطان العثماني سليم، وأول ما عمرت هذه القرية بنيت بيوتها من بقايا أحجار القلعة على شكل نصف دائري متلاصقة فيما بينها خوفاً من الوحوش البرية ومن الجنود الأتراك.
بناء قلعة يحمور
ترتفع نحو (20م) على شكل برج محاط بأسوار من الجهات الأربع ويقال:إنها كانت تتألف من ثلاثة طوابق لم يبق منها إلا طابقين وذلك بفعل الحرب والهزة الأرضية القوية التي ضربت الساحل السوري عام 1586م
سور القلعة مبني من مداميك حجرية كبيرة من الحجر الرملي الأحمر. أما بالنسبة للأروقة والبرج، فهي مبنية من الحجارة المتوسطة.
وهي كغيرها من القلاع تحتوي على قاعات كثيرة ومنافذ لرمي السهام وأماكن للخيل وعدة سراديب مخصصة للنجاة ويوجد حتى الآن بقايا خندق يحيط بالقلعة لحمايتها وكانت قلعة يحمور جزءاً من مملكة عمريت وأرواد وقد بُني المدخل الأساسي للأسوار على شكل قنطرة كبيرة وكذلك البناء العلوي حيث القنطرة الكبيرة والعقود المتداخلة بالمدخل.
أقسام قلعة يحمور
تتألف القلعة من طابقين :
الطابق العلوي : يتألف من صالة ضخمة قائمة على عمود ضخم في وسطها تنتهي به الأقواس التي تحمل السقف، ويطل مدخلها الموجود على جهة الغرب على سطح الطابق الأرضي حيث يحوي أبراجاً لإنذار الدفاع عن الزوايا، ومنافذ لرمي السهام مسقوفة على طول الطابق الأرضي .
يظهر رسم لحيوان شبيه بالجرذ فوق باب القاعة العلوية ويظهر فوق الباب نافذة مرمى سهام وفي الجدار تظهر فتحات لجسور خشبية تحمل سقفاً خشبياً أقل ضخامة من العمود الموجود في القاعة الأرضية ما يدل على أن القاعة كانت مؤلفة من طابقين.
الطابق الأرضي: يحوي صالة كبيرة مساوية للصالة العلوية، تقوم على عمود ضخم في مركز القاعة مربع الشكل، ويحيط بها من الجهة الغربية قاعة طويلة تبلغ 70 م، وتحمل البرج الصغير في أعلاها (الزاوية الشمالية الغربية) كما يوجد على يمين مدخل القلعة من الجهة الشرقية قاعة طويلة دلت الدراسات حديثا على أنها قاعة نوم الجنود، وفي نهاية القاعة كشفت التنقيبات الحديثة عن بئر تجميع مياه الأمطار متصل بقناة تحمل الماء إلى البئر من سطح القلعة.
وتم أيضا الكشف عن قاعة أقل عرضا من الجهة الشمالية وقد تبين بعد الكشف عن أرضيتها أنها كانت إسطبلا للخيول وفي نهاية هذا الإسطبل يوجد درج يؤدي إلى الطابق الأعلى وهذه القاعة تحمل البرج في الزاوية الجنوبية الشرقية ومفصولة عن جسم القلعة الرئيسي.
لقد انهار البناء العلوي بكامله تقريباً ومن المرجح أن يكون قد شيد فوقه شرفة دفاعية منخفضة ذات صفين زادت من ارتفاعه قليلا. و لم يبق من قلعة يحمور الآن سوى برجها المرتفع 15 م، وسور بطول 34 م، ولقد كشف عن فتحات تحت الأرض أمام المدخل الرئيسي ومن الجهة الشمالية هي على الأرجح آبار ماء.
تجري بالقلعة الآن بعض أعمال الترميم وقد وظف لها حارس يقوم على خدمتها. وهي مسجلة في دائرة الآثار لمحافظة طرطوس.
الاكتشافات الأثرية في قلعة يحمور
أكدت بعثة الاكتشافات الأثرية الفرنسية عام 1996 أن يحمور أصبحت مع منطقة ست مرخو شمال سورية ويبرود في القلمون من أقدم مناطق ظهور الإنسان في عهد ما قبل التاريخ حيث اكتشفت فيها أثناء الحفريات أوانٍ منزلية حجرية وفؤوس وسكاكين وأرجع العلماء عمر هذه المكتشفات إلى العصر الحجري، وأن منطقة يحمور كانت مسكونة قبل قلعتها بآلاف السنين بينما أشار البعض الآخر إلى أن أول حضارة بناها الإنسان في هذه المنطقة كانت أيام الفينيقيين.
وقد قامت البعثة السورية_الفرنسية المشتركة بدراسة منطقة طرطوس وبوجه خاص"رامة بصة" أو "أرض حمد"، فوجدت نوى وشظايا وفؤوساً صوّانية ذات وجهين؛ تعود إلى أكثر من 30 ألف عام؛ وهو ما يدل على أن الإنسان كان يشغل المكان زمناً طويلاً خلال العصر الآشوري.
وفي عام 1937م اكتشف فيها تمثال آلهة الحب أفروديت وتم اكتشاف الكثير من الآثار أيضا حيث وجدت مدافن الآثار الرومانية والإغريقية والآشورية في منطقة خربة الحراح وخرايب البير والبتة وتل مندرة وتل عقدو.وفي عام 1976 اكتشف الباحث الفرنسي "جان سابان" موقع "رامة بصة" قرب قرية "يحمور"، يعتقد أنه تابع للقلعة، وفيه الكثير من القطع الأثرية الصوّانية المشذبة.
وأثناء الكشف عن أرضية القاعات الأرضية في قاعة الجنود تم العثور على حجر قديم مكتوب عليه بحروف لاتينية على ما يبدو أنه مجلوب من مكان آخر.وقد ساعد الكشف عن أرضية الإسطبل في إظهار المعالف المغطاة بالتراب وكذلك أحواض الشرب للخيول وقناة الماء التي تغذي هذه الأحواض.
اكتشفت أيضا كتابات غير واضحة قرب الطاحونة القديمة على بعد 1 كم جنوب نهر القبلة.كما اكتشف تمثال لشخصية بارزة ناقص الرأس والأرجل جالس على كرسي يعرض في متحف طرطوس.
ومن المكتشفات الحديثة أيضاً ومن باب المصادفة عام 2001 وجد تابوت من الرصاص لفتاة جنوب شرقي القلعة عليه زخارف نباتية وهندسية، ويعود إلى الحقبة الرومانية، وقد حفظت جميع المقتنيات في المتحف الوطني بـ"طرطوس.
رزان محمد