تقرير: أمين عوض
هي دمشق..كالأم الرؤوم لا تخذل أبناءها يوماً فهي كما يقول أهل الشام " الستر و الغطا" للجميع قاطنين و زائرين، وفي قيظ صيفها اللاذع توفر للكبار والصغار ملاذاتٍ تقيهم الحر, وتمنحهم نفحةً من برودة بردى الممزوجة بعبق أشجار الليمون و الكينا، وتعتبر الليمونية التي يتفرد أهل دمشق بصناعتها أحد تلك الملاذات التي ينشد الدمشقيون وصالها في كل أيام العام, خاصةً الحارة منها.
موقع "المغترب السوري" زار أحد المحلات الشهيرة بصناعة الليمونية و التي تقع وسط حي القيمرية في العاصمة دمشق, حيث التقى أبو هادي و هو الخبير القديم بهذه الصناعة منذ عقودٍ خلت.
يقول أبو هادي المنهك في تعبئة كؤوس الليمونية لطالبيها المصطفين بالعشرات أما محله الصغير: "إن الليمونية قديمة في دمشق، وللأمانة لا يعلم أحد تاريخ ظهورها بدقة، لكن من المؤكد أنها تعود للعشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، في الوقت الذي لم تكن فيه (الكوران) قد وصلت لدمشق".
يتابع أبو هادي القول: "الليمونية لم تعد مجرد مشروب بارد يطلبُ في فصل الصيف فحسب، لكن تجاوز الموضوع ذلك لتتحول لأحد العقود الاجتماعية الخالدة في ذاكرة أهل دمشق على وجه التحديد، لا سيما في فصل الصيف حيث يرغب الجميع في التخفيف من حدة الشعور بالحر عبر تناولهم كوب من الليمونية".
وعن مكونات هذا الكوب الأصفر البارد الذي يسلب الألباب في صيفٍ تجاوزت فيه درجات الحرارة معدلاتها الطبيعية يضيف أبو هادي: "في القديم كان أجدادنا يقومون بإعداده تقريباً بنفس الطريقة، من ناحية هرسه باليد، لكن كانوا يضيفون إليه القليل من الملح الصخري، وذلك من أجل تماسك الخليط، ثم يضعونه في قوالب خشبية تدوَّر باليد حتى يبرد ويتكاثف الشراب، وبعد دخول الكهرباء وظهور صناعة ألواح الثلج النظيفة، بعض البائعين يقومون باستعمال آلةٍ صغيرة يدوية كالتي لدي، لها شفراتٌ حديدية تقوم ببرش الثلج في كؤوسٍ، ويصبون فوقها عصير الليمون المكثف، إلى أن تم صنع الآلة المجمدة التي تدور آلياً كما نراها، وقد قامت هذه الآلة بتسهيل صناعة الليمونية أكثر من ذي قبل".
التقينا الخالة أم فهمي القاطنة بالقرب من محل العم أبو هادي في منطقة مكتب عنبر, وهي تطلب على غير الأمر الذي تعوده الجميع كيلو ليمونية كامل, فشرحت لنا الأمر بالقول: "أطلب الليمونية بالكيلو لأن اليوم كما تقولها أم فهمي عندي (استقبال) واعتدنا أن تكون الليمونية ضمن أحد الأصناف التي تقدم كضيافة في زبادي زجاجية للقادمين، سيما في هذا الوقت من السنة حيث يرغب الجميع في شرب أي شيءٍ باردٍ و حلو المذاق، شأنها شأن الرز بحليب و الجيلاتين وغيرها من الأصناف التي تقدم للضيوف".