تقرير: المعتصم خربيط
نعم إنها الليرة السورية، العملة الرسمية للجمهورية العربية السورية، ولدت بعد استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي وبعد انفصال مصرف سورية ولبنان عام 1948 وأصدرها حينذاك مصرف سورية المركزي، ولكي نفهم هذا التاريخ النقدي يقتضي أن نعطي فكرة سريعة عن الاتجاه العام للتطور في سورية،لندرك بعد ذلك مدى تأثيره على التطور النقدي، ومدى تأثير هذا الأخير في التطور العام.
كانت سورية حتى الحرب العالمية الأولى جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وكان النقد المتداول فيها هو النقد العثماني، وإثر دخول قوات الحلفاء إلى سورية عام 1918 بطل التعامل بالنقود التركية وحل محلها الجنيه المصري المطبوع في بريطانيا والذي كان قد أعطي صفة التعامل الإجباري مع السماح بتداول النقود الذهبية، وفي هذه المرحلة أصبح السوريون يطلقون على العملة كلمة "مصرية"، وجمعها "مصاري" وهي الكلمة العامية التي ما تزال تستخدم حتى اليوم.
وعلى أثر وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ألغى المفوّض السامي التعامل بالجنيه المصري وأمر بالتعامل بالورق النقدي السوري اللبناني، وارتأت فرنسا أن تؤسس مصر فسورية ولبنان ليأخذ على عاتقه إصدار العملة الموحدة في الأراضي التابعة لسلطتها الانتدابية، وصدرت الليرة السورية عن طريق مصرف سورية لأول مرة عام 1919، وكانت قيمتها تعادل 20 فرنكاً فرنسياً وكانت تستعمل في سورية ولبنان.
وفي عام 1919 وكذلك عام 1920 أصدر "البنك السوري" العملة الورقية السورية اللبنانية من فئات مختلفة وبقي التداول بها حتى عام 1924 في كل من سورية ولبنان، وفي عام 1924 تغير اسم "البنك السوري" ليصبح "بنك سورية ولبنان الكبير"، وتمّ إصدار العملة الورقية السورية اللبنانية التي بقيت متداولة حتى عام 1939، وفي عام 1939 تغير اسم "بنك سورية ولبنان الكبير" ليصبح "بنك سورية ولبنان"، وتم إصدار العملة الورقية التي بقيت متداولة في سورية حتى عام 1949 حيث حصلت سورية على استقلالها النقدي عن فرنسا.
ارتبطت الليرة السورية بالجنيه الإسترليني عام 1941 وكان الجنيه الواحد يعادل 8.83 ليرة وذلك استناداً لمعدل التحويل بين الإسترليني والفرنك. لكن وبعد عام 1946 وانهيار قيمة الفرنك الفرنسي، ارتفع معدل التحويل بين العملتين ليصل مرة إلى 1 ليرة = 54.35 فرنك.
وفي 1947 اعتُمد الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية وكان التحويل 1 دولار = 2.19 ليرة وبقي هذا المعدل حتى عام 1961، ثم تأثرت سورية بعد ذلك بالحرب الأهلية التي وقعت في لبنان مما أدى إلى انخفاض الليرة السورية أمام الدولار لتصل إلى 46.98.
وفي عام 1953 أصدرت الحكومة السورية المرسوم التشريعي الذي ينص على إنشاء مصرفها المركزي وأصبح اسمه "مصرف سورية المركزي"، ويتضمن المرسوم نظام النقد الأساسي في سورية، وبعد العمل على فصل الاقتصاد السوري واللبناني عن بعضهما افتتح مصرف سورية المركزي رسمياً عام 1956، ليكون بذلك مؤسسة عامة مستقلة تعمل تحت رقابة الدولة وبضمانتها وفقاً للتوجيهات الصادرة إليه من مجلس الوزراء السوري، ويقوم المصرف بإصدار الأوراق النقدية وإدارة الصندوق النقدي ومكتب القطع الأجنبي، وهو عميل الحكومة السورية المالي.
يعمل المصرف أيضاً على تنسيق فعاليات مؤسسات النقد والتسليف وتنفيذ السياسات المالية والنقدية والمصرفية للدولة السورية، ويمارس الرقابة على الجهاز المصرفي ويتابع حسن تنفيذ أحكام نظام النقد الأساسي ومايتفرع عنه من أنظمة وتعليمات و ضوابط نقدية ومصرفية، ويقع مركزه الرئيسي في العاصمة دمشق وله 11 فرعاً في مختلف المحافظات السورية.
اعتمد مصرف سورية المركزي سياسة سعر الصرف الثابت حيث تم تسعير الدولار 3.65 ليرة سورية عام 1976، وتم تعديل السعر حتى وصل إلى 11.25 عام 1989، ووصل في منتصف التسعينات إلى 48.5 مع بعض الفروقات الطفيفة بين الحين والآخر، وأصدر المصرف المركزي أول ليراته السورية عام 1957 وعليها توقيع حاكم المصرف ووزير المالية، وما تزال المتاحف السورية تحتفظ بأول نسخة من الليرة السورية. وقام المصرف بإصدار عملات ورقية من فئة 1 ليرة، 5 ليرات، 10 ليرات، 25 ليرة، 50 ليرة، 100 ليرة، 500 ليرة، وفي بداية عام 2000 اصدر المصرف عملات معدنية لليرة الواحدة و5 و10 و25 ليرة سورية، كما تم استحداث فئتين ورقيتين هما 200 و1000 ليرة سورية.