شارك
|

أبو شريف.. رجل المانشيتات الساخرة في كراج جبلة

تاريخ النشر : 2016-08-28

لا صورة واضحة له على غوغل، ولا عنوان معروفاً وواضحاً له يدلّني إليه وعليه، بعد أن شغل بالي مرات عديدة رأيته فيها في مدينة جبلة، متنقّلاً بين حافلات نقل المسافرين ينادي على بضاعته التي يحملها فوق يديه كطفل صغير أو مثل ربطة خبز، وهي عبارة عن بضعة أعداد من جريدة الوحدة التي كانت تصدر في اللاذقية ثم توقفت، فتوقّف عمله، ليختفي بعدها ويصبح أثراً بعد عين، وهو الآن أين؟ لا أحد يعلم!.


عندما قمنا بوضع الشخصيات التي سنعمل عليها في “سوريون” كان “أبو شريف”الذي أعرف لقبه دون اسمه،  في رأس القائمة التي تقرر أنه سيكون فيها وهذا لأسباب عديدة، منها شخصية الرجل الروائية حقاً، رجل في السبعين من العمر، ملامحه تبدو كأنها من زمن آخر، وصوته هو الهوية الأكيدة التي تدل عليه، يحيا بصوته في ذاكرة من يعرفه، صوته الذي يحيل بضعة أخبار لا تهمّ القارئ كثيراً إلى حدث استثنائي، فمثلاً عام 2005 وبعدما حصل في لبنان من إساءات من بعض الطبقة السياسية اللبنانية بحق السوريين، كان الرجل يصعد إلى الحافلة وهو ينادي ” اقرؤوا اغتيال وليد جنبلاط من قبل السي آي إيه الامريكية” أو “سعد الحريري يقتل أباه” وخلال دقائق ستنفد الكمية التي بين يديه من الجرائد، وأحياناً تكون أخباره فنية لكن مانشيتاته تجعل مقاومة شراء الجريدة مستحيلة مثل “نجوى كرم تعترف بأنها رجل وليست امرأة” أو “إلقاء القبض على علي الديك” وهكذا، ورغم خيبة أمل القراء من عدم وجود الأخبار التي ردّدها الرجل للتشجيع على الشراء، إلا أن أحداً منهم لن يقول له إن ما قاله غير صحيح، وفي كل مرة سيصعد فيها هذا الرجل “بائع الجرائد” إلى الحافلة، لن يعود إلا فارغ اليدين ممتلئ الجيب بالقروش التي كان يقبضها ثمن أخباره هو لا أخبار الجريدة، إلا أن المانشيتات الساخرة والمفبركة التي كان يخترعها ليست هي وحدها ما يشدّ الناظر إليه والمستمع إلى صوته، بائع الجرائد كان من البؤساء الذين تؤكد كل صفاتهم الشكلية والسلوكية بؤسهم الشديد، من ملامح منسيّة، وشفاه متشققة، وعينين غائرتين بلون زرقة البحر، وذقن خشنة دائماً وأسمال يرتديها في الشتاء، تصلح أيضاً لفصل الصيف بثني الكم فقط، وحزن لا يعرف إلا الله من أين يجيء بكل هذا الألق ليحطّ في نظرته الكسيرة الخاطر.


في زيارتي الأخيرة لمدينة جبلة ذهبت للبحث عنه، لكنني عدت بالخيبة، هناك من تذكّره ولكنه لا يعرف عنه أي شيء، وهناك من قال إنه توجّه منذ خمس سنوات إلى الحرب بعد أن فقد ابنه في رحمها المستعر ولم يعُد، وهناك أيضاً من قال إنه مات هكذا ببساطة.


لم أشأ أن أصدّق شيئاً مما سمعت، فصورة بائع الجرائد في ذاكرتي لا أريد لأي شيء أن يؤثر فيها: رجل في السبعين من العمر، يبيع الجرائد للمسافرين، والكون كل الكون ملكه، فهو صاحب المانشيتات التي لا تردّ ولا يمكن تكذيبها حتى لو حدث هذا فعلاً، وأيّاً كان ما يفعله اليوم، فليعلم ولتخبروه أن ثمة من وجده ملهماً وتمنّى لو أنه تعرّف عليه وصار صديقه!.


تمّام علي بركات . البعث


عدد القراءات: 12427

اخر الأخبار