شارك
|

الدراما السورية.. درع إضافي في دفاعات الوطن

تاريخ النشر : 2016-06-13

تقرير: المعتصم خربيط

 

يبدو أنه وبعد دخول سورية في السنة السادسة على الحرب الكونية التي ابتدعها الإرهاب والتكفير، تمكنت الدراما السورية من إيجاد مستقر لها في ظل هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالبلاد، وهذا المستقر لم يكن وليد الصدفة بل هو وليد قوة الثبات في المواقف، وهو وليد التمسك بالوطن رغم كل ما يمر به.

 

إن صناع الدراما السورية أثبتوا للسنة السادسة أنهم جزء من الدرع الدفاعي للوطن، وأن الجيش السوري قدوة لكل سوري مهما كانت مهنته، فالبداية من الكتاب والمؤلفين الذين عايشوا تفاصيل حياة الوطن وأبناء الوطن لينتجوا بعد سنوات نصوصاً تعبر عن هموم البلاد تماماً كما يراها الشارع السوري الشعبي، ثم يأتي دور المنتجين الذين تعايشوا مع الواقع الذي أفرزته الحرب وكانوا دائماً على دراية كاملة بما هو ممكن وما هو صعب وما هو مستحيل في مجال الإنتاج من حيث مواقع التصوير والمواد والمستلزمات والإمكانيات المادية والتقنية، خاصة في ظل الحصار الاقتصادي الذي ضرب على سورية.

 

ويأتي دور المخرج والممثل الذي بقي يعايش الواقع الشعبي في بلاده، يحتك بالناس، يأكل أكلهم ويشرب شربهم، ويعيش معاناتهم وفرحهم وهمومهم وانتصاراتهم، ليتمكن بسهولة ويسر أن يعكس للناس عبر أدائه وعدسته صورة الوطن الحقيقية وحجم الحلم السوري كما يراه ابن البلد.

 

من حيث الشكل، تحافظ الدراما السوريةّ على الكمال ذي يناهز ثلاثين عملاً مع تفوق صاحبة الجودة منها. وتتنوع من حيث المضمون بين مواضيع الحب والوجدان والفساد والمافيا والهموم اليومية والتفاوت الطبقي والقيم الجندرية والحرب والوطن وانعكاسات الأزمة بدرجة أقل من مقاربتها، مع بقائها كخلفية واقعية للأحداث في الغالب.

 

وأما من ناحية أهلها، فتستعيد بعض نجومها بعد غياب إلى الإنتاج المحلي مثل باسم ياخور وسلافة معمار، مع بقاء آخرين خارجه مثل قيس الشيخ نجيب وقصيّ خولي وتيم حسن الذين حافظوا على صدارتهم في الأعمال المشتركة عربياً مثل "جريمة شغف" و"يا ريت" و"نص يوم"، كما تستقدم إلى أرضها نسبة كبيرة من الممثلين اللبنانيين على رغم الظروف الدقيقة، من أبرزهم رفيق علي أحمد وبيار داغر وتقلا شمعون ويوسف وورد الخال وطوني عيسى ومجدي مشموشي، في خطوة مرشحة للاستمرار بعد أن كانت تعتمد على أرضهم كاستديو كبير موقت، وفي المقابل يقتحم فنّانون سوريّون وينالون نصيباً أكبر في الدراما المصرية مثل جهاد سعد وعابد فهد ومكسيم خليل وميسون أبو أسعد.

 

أما من حيث المضمون فإن الرغبة في الابتعاد عن الموت والعنف والحنين إلى الماضي الجميل من جهة ثانية، يدفعان بالرومانسية الحزينة وقصص الحب الفاشلة للعب دور محوري في دراما 2016، عبر الجزء الثالث من مسلسل "أهل الغرام" الذي يستعيد العواطف من حقبة ماقبل 2011 حيث عرض جزءه الأول عام 2006. والجديد هنا هو بناء العمل على شكل خماسيات بدل الحلقات المنفصلة، وهو النمط الذي كرسته أعمال مثل "صرخة روح" في المواسم الأخيرة.

 

أما الكوميديا السورية فتبدو الحلقة الأضعف هذا العام مع أعمال بميزانية ضئيلة "كونكان" لطلال مارديني، "سليمو وحريمو" لفادي غازي. ويستمر مسلسل "بقعة ضوء" الذي أخرجه سيف الشيخ نجيب في تقديم اللوحات الناقدة للموسم الثاني عشر، مع مجموعة من النجوم، وفي مسلسل "الطواريد"، تجديد للأعمال البدوية عبر مزجها بالكوميديا لأول مرة في الدراما السورية.

 

وكان الأمر الذي لفت أنظار السوريين في أغلبهم هو تغيير نظرة الدراما للأزمة في سورية إلى الداخل، مستفيدين من هامش الحرية الكبير الذي وفرته الرقابة السورية للكتاب والمنتجين، والدعم الذي مدته لهم السياسة السورية من أجل محاربة الفساد الناتج عن فوضى الحرب، فكانت المسلسلات السورية هذا العام بالمرصاد للإرهاب الداخلي، ولتجار الأزمة، وللمتخفين وراء الشعب بينما ينهبون ثرواته، فجاءت مسلسلات أشبه بالتحليل السياسي القصصي لما يحد داخل البلاد، "دومينو"، "أحمر"، "الندم"، وحتى تسليط الضوء على هؤلاء الفاسدين في مسلسل بيئة شامية كمسلسل "باب الحارة".

 

في النهاية.. الحرب هي عملية تدمير شامل لكل إمكانات الوطن، ولأي وطن كان، ولكن سورية نهضت كطائر العنقاء من تحت رمادها وما زالت تنهض وتنفض غبار البارود، ولقد أثبتت الدراما السورية أن السوريين لا يمكن كسرهم أو هزيمتهم، فكل عمل درامي سوري تم إنتاجه عام 2016 لا يمكن إلا أن نتذكر أن عدد العاملين فيه يتجاوز الآلاف بين مؤلفين ومنتجين ومنفذي إنتاج وفنيين وتقنيين وعمال وطهاة ومهنيين ومبدعين وفنانين وإدرايين ومبرمجين ومسوقين بالإضافة إلى الممثلين والمخرجين والكومبارس، وهؤلاء جميعهم في النهاية هم أبناء سورية هم أبناء الحياة هم الموطنون السوريون الذين تشبثوا بوطنهم وجراحه ونصره وعزه.


عدد القراءات: 12761