خاص_ أمين عوض
في سورية يأبى النغم إلا و أن يترك حكايةً _تفتح للتاريخ أبواباً واسعة_ في كل ركنٍ و زاوية, ترقص الأنامل الدمشقية مع سحر الشام في لوحةٍ, تفرج أساريرها معلنةً ولادة إبداعٍ, تُسر له القلوب و العيون, كيف لا؟؟ و دمشق تلك الباقية على الرغم من كل الظروف, صدرت للعالم عبر تاريخٍٍ مضى أصنافَ عدة من العلوم و الفنون و الإبداعات اللامتناهية .. و التي كان العود واحدا منهاً .
موقع المغترب السوري زار ورشة زرياب العريقة لصناعة العود, و التقى صاحبها علي خليفة الذي تحدث لنا عن بدايات هذه المهنة, فقال:" لقد ورثنا العمل في هذه المهنة منذ عقودٍ مضت من خلال جدي الذي سُميت على اسمه كوني الابن الأكبر لوالدي الذي خلف أبي في الورشة , التي يعود تاريخها لثلاثينات القرن الماضي, فجدي علي _كما يحدثنا علي الحفي_ قد تعلم مهنة صناعة العود عند شيخ كار الصنعة بادروسيان, و الذي كان يقع محله في الجسر الأبيض في منطقة المهاجرين, و كانت المهنة في بدايتها يدوية بالمطلق لكن مع تطور الوقت أصبحنا نعتمد على العديد من الآلات التي تختصر الكثير من الوقت على اليد العاملة الموجودة اليوم في الورشة".
يضيف السيد علي :" آلةٌ العود هي آلة قديمة و تبلغ من العمر 2000 عام ، وجدت عند السومريين، وفي كهوف الفراعنة, وأصبحت آلة العود بالشكل الحالي عام 1879 على يدي الدمشقي عبده النحات، و التي كان يصل ثمنها في الماضي 5 ليراتٍ ذهبية، تبعاً لجودته".
و عن المراحل التي تمر بها هذه الآلة التي تعد أساس التخت الشرقي الموسيقي , يتابع السيد علي:" يعتبر خشب الجوز هو النوع الأفضل على الإطلاق لصناعة أي عود, حيث يمر العود بمراحل عديدة تتجاوز في بعض الأحيان الخمس و عشرين مرحلة, ليشكل إلى صورته النهائية و يصبح جاهزاً للاستخدام".
و عن سر هذه الصناعة في دمشق يقول علي:" إنها تكمن في الحرفيين الذين يصنعونها، وهم في أغلبيتهم مهرة، وأصحاب مهنةٍ عريقة، حافظوا على سمعة مهنتهم، وتفوقوا في بعض الأحيان على معلميهم الأوائل، فكانوا صناعاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لهذا فإن أغلبية العازفين يفضلون العود الدمشقي، لكونه يحمل سحراً فوق السحر الذي تحمله الآلة, إلى جانب ذلك فإن الصانع الدمشقي يضع من روحه جزءاً كبيراً خلال عملية الصناعة فيأتي النغم حميماً يشبه كل الأشياء الجميلة في دمشق, كما أنه لا يستطيع أحد أن يكتشف هذا السر، إلا إذا كان عازفاً حقيقياً، فالعود الدمشقي يضاهي بجودته الأعواد الأخرى المصنوعة في بقية دول العالم".
يبقى عود دمشق أزلياً فهو باقٍ لم يتغير لأكثر من مئة عام، يحافظ على وضعه، بل يصبح صوته أجود كلما ازداد عمره دون أن يتأثر بالعوامل الطبيعية، والحرفي الدمشقي يضع روحه في الآلة الموسيقية التي يصنعها ولا يسمح لأي خطأ أن يحصل أثناء مراحل تصنيعها، فتأتي آلةً متقنة جداً.