شارك
|

عدنان بقدونس - عمران الخطيب.. كرواسان بالشوكولا والألفة

تاريخ النشر : 2016-07-27

“طاقة” صغيرة على هيئة نافذة يفتحها “محمد عدنان بقدونس” 40 عاماً- الصورة- في الساعة السابعة صباحاً، منها وعلى مدار الساعة ستخرج  عشرات قطع “الكرواسان” ساخنة وشهية، تسيل على منظرها ورائحتها الخيالات والنكهات، بينما ابتسامات لاشعورية ترتسم على أوجه الناس وهم ينظرون إليها محمولة على أكف “عمران الخطيب”- 31 عاماً، قادماً بها من بيت النار إلى الزبائن مباشرة.

 

إلا أن خلف هذا “الشباك” الذي بقي على حاله مذ كان فرن “القيمرية” للكرواسان فرناً للخبز– منذ 15 عاماً- حيوات تدور، وعوالم بديعة تتشكّل، يقف أبو عدنان على واجهتها وكأنه صاحب صندوق الفرجة: “الجبنة بدها عشر دقايق بالضبط يا آنسة، معك 25 ليرة خالة؟ خلص بعدين بس يصرلك بتحاسبيني، تكرم صديقي وهي 3 كرواسان بالشوكولا، امرني عيوني”، على هذا المنوال أكثر من نصف ساعة، وأنا أراقب السيد “بقدونس” دون أن أستطيع الحديث إليه لانشغاله الشديد، ورغم انهماكه الذي لا يكل ولا يمل، إلا أنه يبتسم بتساو للجميع، هو القادم من مهنة انقرضت، إلى مهنة لا ينتهي العمل فيها: “كنت اشتغل بمصلحة الخيزران، وهي المصلحة وقفت من أكتر من 10 سنين، لما صار يجينا كل شي جاهز حتى كراسي الخيزران”، قال الرجل، وتابع مقايضة بضاعته التي كان سعر قطعة الكرواسان منها سابقاً 15 ليرة، والآن 125: “ليش ضل شي رخيص؟ لك حتى المواد مو متل الأول ما عاد صرلنا، الزبدة مثلاً، كنا نحط زبدة عربية ممتازة، هلأ عم نستخدم أنواع عادية كتير”، قال “بقدونس”.


في الفرن الذي يبلغ من العمر أكثر من مئة عام، يعمل ستة أشخاص بكل طاقتهم، في عمل يحتاج إنجازه ضعف العدد أو أكثر من العمال، لكن الزمان تبدل والحال تغير: “كنا نعمل باليوم 35 عجنة، هلأ يا دوب عشرة”، قال أبو عدنان، وتابع: “الزباين قلو كتير، وكان في أصدقاء يجو بشكل يومي أغلبهم من طلاب الجامعات، هدول ما عاد شفناهم، يمكن سافروا”.


وبينما يقف “محمد” على كوة البيع “يتروحن” بالناس و”ببرودات القيمرية”، يقف السيد “عمران” أمام كوة الفرن، ويداه الرشيقتان مشغولتان بعملية دقيقة وخطيرة: إدخال صواني العجين إلى الفرن، وإخراجها، وفي الوقت ما بين دخولها لبيت النار ونضوجها، سيكون عليه أن يحرك هذه الصواني عدة مرات لكي تتوزع عليها نار الفرن الحجري بالتساوي: “تعلّمت هي المصلحة هون بالفرن، اجيت ولد صغير، وكبرت بين بيت النار وغرفة العجين”.


لم يتذمر عمران من انخفاض عدد الأيدي التي كانت تعاون في العمل، فالوقت الآن ليس للشكوى، هذا الفرن يطعم أكثر من عشرة أسر سورية، ويجب أن يبقى العمل فيه قائماً مهما حدث: “صار ووقعت كتير قذايف بالمنطقة وحوالينا، يمكن نرتبك شوي ويمكن نخاف، بس نرجع على شغلنا وترجع الناس لحياتها”، قال السيد عمران، بينما أخبره منبهه الشخصي أن الصواني في الفرن قد نضجت، وما على زميله إلا أن “يلحّق” للزبائن.


بين شباك الفرن العتيق الذي يطل على الشارع– حيث تمشي الحياة في الشام القديمة وكأنها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة- والفرن الحجري المتوضع في صدر المكان، حكايات كثيرة جرت، منها ما هو مفرح، ومنها ما هو مؤلم، لكن عمران الخطيب، ومحمد عدنان بقدونس ينظفان ما يقع من الحزن بمنديل الأمس، وفي الساعة السابعة صباحاً، يفتح أحدهم كوة الفرن، والآخر ينهض ليفتح كوة بهجة صغيرة، ينساب منها الفرح على شكل قطعة كرواسان ساخنة بالشوكولا ونكهة الألفة.


تمّام علي بركات . البعث
 


عدد القراءات: 12675