شارك
|

معلولا...لوحة فنية نادرة وإرث حضاري ديني نفتخر بوجوده

تاريخ النشر : 2023-08-23


امتزاج جميل بين الواقع والخيال، بين الأسطورة والتاريخ، وبين الأديان التي تتماهى وتجتمع في صورة رائعة وراقية...إنها معلولا.

 

 

معلولا: بلدة سورية تتبع منطقة القلمون تبعد عن دمشق حوالي 56كم، وترتفع عن سطح البحر حوالي 1500م. تعود تسميتها للغة الآرامية التي مازال سكان المنطقة يتحدثون بها والتي تحدث بها السيد المسيح عليه السلام.

 


ويمكن إرجاع أصولها إلى مصطلح معلا والذي يعني دخول أو مبدأ أو مدخل، ويقال أيضا أنها تعني المكان المرتفع ذو الهواء العليل حسب اللغة السريانية. وقد عرفت بأسماء متنوعة عبر التاريخ بما في ذلك سيليوكور بوليس في العصر الروماني .
ولأنها بنيت فوق قمة جبلية عالية فتتأثر بالمناخ الموجود في قمم جبال بلاد الشام، حيث يكون شتاؤها قارس البرودة محملاً بالثلوج، وصيفها معتدلاً نسبياً.

 

 

تتميز معلولا باحتوائها على معالم مسيحية قديمة وهامة يعود تاريخها للقرن العاشر قبل الميلاد وقد صنفتها منظمة “اليونيسكو” على أنها من أهم الآثار المسيحية في العالم وأقدمها.  كما أن سكانها من المسيحيين والمسلمين ما زالوا يتكلمون باللغة الآرامية (السريانية) لغة السيد المسيح حتى اليوم بجانب اللغة العربية كما في قرية جبعدين وبخعة.

 


تاريخ مدينة معلولا


تؤكد الأبحاث العلمية أن البلدة كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري، حيث أن المغارات المحفورة بالصخر تشبه بيوتاً بدائية تدل على أنها كانت مسكونة منذ أزل طويل. وقد تمت دراسة جبل معلولا الشديد الانحدار لإثبات ذلك حيث عاش إنسان نياندرتال فيها بين 200و40 ألف سنة قبل الميلاد، وعاش البشر الأكثر تقدما بين 10 و7 آلاف سنة قبل الميلاد.

 

 

لقد كان أهل معلولا أول من اعتنق المسيحية وقد تحملوا العذاب والاضطهاد دفاعا عن إيمانهم وقدموا الكثير من الشهداء منذ زمن الاحتلال الروماني إلى فترة الاحتلال العثماني لبلادنا، وهذا ما يفسر كثرة الأديرة والكنائس في معلولا فمعظها يحمل اسم شهيد او شهيدة وبنيت لتخليد ذكراهم.

 


لم يسكن الإنسان في هذه المدينة في الكهوف فقط بل لجأ إلى حفرها ونحت الصخور لبناء المعابد والمنازل وتماثيل الآلهة التي تمثل عقائده الدينية.

 


وقد قام القرويون في معلولا بتحويل بعض الكهوف القديمة إلى مباني حديثة مناسبة للسكن بسبب ضيق الوادي. حيث وجد القديسون المسيحيون في هذه الكهوف ملاذا لهم ومقصدا آمنا في هروبهم من الاضطهاد الوثني والروماني قبل تحول الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية .

 

 

يعد الهيكل الحضري للمدينة وموقعها الجغرافي من أكثر الجوانب التي أعطتها شهرة وجاذبية، فقد أصبحت معروفة محليا ودوليا حيث توالت عليها العديد من الحضارات التاريخية بما في ذلك الآرامية واليونانية والرومانية والبيزنطية، وأخيراً العربية الإسلامية وتظهر المعالم الأثرية والمواقع في المدينة تأثير الحضارات القديمة.

 


الأعياد والمناسبات الدينية في معلولا

 

تحتفل مدينة معلولا سنويا بعيد الصليب في الرابع عشر من سبتمبر، حيث تزدحم الكنائس والأديرة بآلاف الزوار المسيحيين كما يتم الاحتفال بعيد القديسة تقلا والذي يصادف الرابع والعشرين من سبتمبر، وعيد القديسين سركيس وباخوس وخلال هذه المناسبات الدينية تستضيف معلولا زوارا من مختلف أنحاء العالم.

 

 

معالم معلولا وآثارها


تحتوي معلولا على الكثير من الآثار المسيحية القديمة والهامة في تاريخ المسيحية كالممرات الصخرية، والأديرة والكنائس، والأضرحة البيزنطية المنحوتة في قلب الجبل.

 


أما بيوتها فتتميز بارتفاع بعضها فوق بعض على شكل طبقات، بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى أروقة ومعابر لما فوقها من بيوت فتكون ذات طابع متميز.

 


أما الكهوف والأحجار الضخمة والأوابد والمغارات المحفورة في الصخر والتي سكنها الانسان القديم فتحكي قصة تاريخية تعود لآلاف السنين منذ العهد الآرامي الذي كانت فيه معلولا تتبع مملكة حمص إلى العهد الروماني الذي سميت فيه معلولا سليوكوبوليس وحتى العهد البيزنطي الذي لعبت فيه دوراً دينياً مهماً عندما أصبحت بدءا من القرن الرابع مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر .

 


 أهم المعالم الأثرية في معلولا:

 

1-  الممر الصخري – فج مار تقلا في معلولا


تمتاز معلولا بما يسمى فج ما رتقلا : وهو شق في الجبل يحدث ممرا ضيقا يربط حافة الجبل من جانب إلى آخر، ويحتوي هذا الشق على ساقية ماء تزيد وتنقص وفق الفصول ومواسم الأمطار، ويعتقد أن هذه المياه مباركة فيتوافد الناس عليها من كل مكان ليرشفوا من مياه بركتها ويتطهروا وينالوا نعمة الشفاء .

 


يقسم هذا الفج القرية إلى شطرين ، ويتميز من بدايته حتى أعلى الجبل بوجود الغرف والخلوات المحفورة بالصخر وعلى مستويات مختلفة فنرى هنا لوحة تعبر عن اتحاد عجائب الطبيعة مع عجائب الإنسان  في صورة رائعة ومميزة .

 


وبحسب الروايات فإن هذا الفج قد نشأ عندما أراد السيد المسيح حماية مار تقلا التي هربت من حكم الموت الذي صدر بحقها فكان الحدث العجائبي الذي أبقى الفتاة الهاربة في شطر والجنود الرومان في الشطر الآخر.

 

 

2-  دير القديسين سركيس وباخوس في معلولا


يرجع تاريخ تشييده إلى القرن الرابع الميلادي؛ وله طابع قديم حيث  أقيم فوق أنقاض معبد وثني قديم ،ويأتي اسمه من أحد الفرسان الذي توفي إبان حكم الملك ماكسيمانوس عام 297 م.

 

3-دير مار تقلا في معلولا


القديسة تقلا هي الأميرة ابنة الأمير السلوقي وتلميذة القديس بولس الرسول وقد تم إنشاء هذا الدير الذي يحمل اسمها  كي يحمل رفاتها. يقع هذا الدير في مكان بارز في القرية بداخل الكهف الصخري الذي عانق الأميرة بعد أن هربت من الأشرار.

 


وأخيرا ما تزال قرية معلولا السورية تحافظ على لغتها الآرامية لغة السيد المسيح وتدرسها وتتحدث بها أمام السياح الذين يأتون من كل حدب وصوب لزيارة هذه المدينة العريقة ومشاهدة هذه اللوحة الفنية النادرة.

 

رزان محمد

 

 

 

 

 

 


عدد القراءات: 2685

اخر الأخبار