شارك
|

المصادفة السورية

تاريخ النشر : 2015-12-24

بقلم: المعتصم خربيط

 

بالمصادفة، وبعد 457 عاماً اجتمع عيد المولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد ميلاد السيد المسيح، نعم بالمصادفة، واحتفل السوريون سوياً بالمناسبتين المقدستين في أيام واحدة، واضعين يداً بيد ليزينوا شوارع مدنهم وقراهم بزينة العيدين، وبدأ إعلاميون وكتاب وسياسيون بالدعوة إلى نبذ الطائفية والتآخي بين أفراد المجتمع السوري الذي يضم عشرات الانتماءات الدينية والعرقية والإثنية، كل ذلك بمناسبة هذه المصادفة النادرة والتي لا تتكرر إلا كل 457 عاماً.


إذا ما نظرنا إلى هذه المصادفة من وجهة نظر فلكية وبحساب الأشهر القمرية بالنسبة إلى الأشهر الشمسية، فسنجدها لا تعدو عن كونها ظاهرة فلكية تتكرر تباعاً ودائماً مع أي مناسبتين إحداهما على التقويم الشمسي والأخرى على التقويم القمري، وبالتالي فهي فعلياً لم تعد تعني أي مصادفة أو مناسبة قد تحث الشعوب على أمر ما وتدعوه لنبذ أمر آخر.


ولنأخذ القضية من وجهة نظر ثالثة.. لقد حدثت المصادفة، واجتمع المولد والميلاد، ولكن لم يشهد العالم هذا الاحتفال الثنائي وهذه الأخوة إلا في سورية، دوناً عن كل دول العالم، إلا فيما ندر ودون أي تركيز إعلامي لأسباب تتعلق بسياسات الدول وثقافة شعوبها سواء في الشرق أو الغرب، ولم يكن ذلك للمرة الأولى، فقد توافق في عام 2007 عيد الأضحى وعيد الميلاد في أيام واحدة، الأمر الذي لم يتحرك له ساكناً في دول العالم ما عدا في سورية التي امتلأت شوارعها بعبارة "أضحى مجيد وميلاد مبارك"، وراح السوريون يحتفلون بالعيدين سوياً بأعظم أشكال الاحتفالات والبهجة.
ما هي المصادفة إذاً؟


المصادفة هي ودون أي شك، تلك الروح السورية المتأصلة في جينات هذا الشعب قبل 457 عاماً، هذا الشعب الذي بقي مصراً على اندماج ثقافاته وأطيافه في بيئة واحدة وربما في حي واحد وحتى في أسرة واحدة رغم كل الحروب الدينية والعرقية التي فرضتها القوى المتصارعة على أرض الشعب السوري منذ ما قبل التاريخ الجليّ.


المصادفة الحقيقية هي سورية، هذه البلاد التي تصنع المصادفات فتحتفل بها، ولم يكن الشعب السوري يوماً بحاجة إلى مصادفة فلكية كي يرتقي إلى مستوى التآخي والذوبان بين أبنائه بغض النظر عن أي انتماء لكل فرد منهم، ولكنه شعب يحب الحياة ويعشق الفرح ويمجد كل المقدسات، فيختلق لسعادته الأعذار في ظل الحرب التي تطحن أحلامه وتأخذ قلوب أبنائه إلى ظلام الحزن واليأس.


ثقافة الحب هذه من المستحيل أن تفهمها مشيخات الخليج التكفيرية وصهيونية الكيان الإسرائيلي، من أجل ذلك تجدها دائماً تعمل على قتل هذه الموهبة السورية الفريدة التي خلقت ونمت في هذه الأرض دون سواها، إن ثقافة العدوان والتكفير ونبذ الآخر ليست أبداً جزءاً من الروح السورية، إنما هي صناعة عدو يتربص بأحلام السوريين ويحاول هدم أي دعوة للفرح حتى وإن كانت مجرد مصادفة في التقويم يحتفل من أجلها عشاق السلام


عدد القراءات: 2517