شارك
|

«إيلاريون كبوجي» رجل بحجم أمة وقامة عابرة للأديان

تاريخ النشر : 2020-07-13

خاص|| لبانة علي

 

"إن الله وحده هو الديّان الذي أقبلُ دينونته"، بهذه العبارة رفع صوته عالياً بوجه قضاة سلطات الكيان الصهيوني أثناء محاكمته بتهمة " إيصال السلاح للمقاومة الفلسطينية" بين عامي 1974 و1977.

مطران القدس حكم عليه  بالسجن لمدة 12 سنة أمضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر وستة عشر يوماً خلف القضبان بعد أن تدّخل بابا الفاتيكان لإطلاق سراحه.

"إيلاريون كبوجي" مقاوم أفزعه الصمت العربي تجاه الجرائم التي تمارسها حكومات العدو الصهيوني، فانضم إلى قوافل سفن فك الحصار الظالم على المدنيين من أبناء قطاع غزّة.

رجل بحجم أمة ، وقامة عابرة للأديان بهذه العبارات وصفه رئيس الجالية السورية في إيطاليا الدكتور جمال أبو عبّاس في حديث خاص لموقع المغترب السوري، مضيفاً "كان حلمه أن يقف في ساحة الأمويين بدمشق ليحتفل بانتصار سورية على الإرهاب، كما كان همّه الوحيد أن يرى مدينته "حلب" وقد حُرّرت.

 

"خرجت من السجن الصغير لأدخل السجن الكبير"

" إن قلبي ما زال معلقاً بشوارع القدس العتيقة، خرجت من السجن الصغير لأدخل السجن الكبير"، يقول أبو عباس بهذه العبارة وصف المطران شعوره في المنفى، فبعد أن غادر المطران كبوجي السجن إلى أمريكا الجنوبية تنفيذاً لشروط كيان العدو تنقل بين فنزويلا و البرازيل ثم الأرجنتين.

 

"أريد زيارة سورية" ... لك ما شئت

لم يتحمّل المطران كبوجي بُعده عن سورية... يتابع أبو عباس "فتوجه إلى السفارة السورية في فنزويلا طالباً التحدث عبر الهاتف مع الرئيس الراحل حافظ الأسد وطلب منه زيارة سورية، فكان الجواب "طالما جواز سفرك سوري لك ما شئت وساعة شئت".

وفي عام 1979 نقض الاتفاق وزار سورية، لكن مشاكل كبيرة حدثت فكان عليه أن يعود ويكمل المنفى في مدينة روما حيث استقبله السفير السوري هناك وكرّمه الرئيس الراحل حافظ الأسد بأن خصص له مكتب في السفارة وسيارة خاصة.

 

بعصاً دخل مؤتمر جنيف "2"

يتابع أبو عباس حديثه عن المطران كبوجي مستذكراً عام 2014  يوم اجتماع جنيف "2" حول سورية، "توجهنا إلى "مونترو" لحضور مؤتمر جنيف"2" دون دعوة من أحد، يومها  دخل المطران كبوجي الاجتماع بعصاه ملتفاً بالعلم السوري ليفرض بوجوده رسالة وطن وانتماء وحق كل سوري".

                      

 

الحزن سكن قلب المطران لكنه...؟!

خلال فترة الحرب على سورية أغلقت السفارة السورية في ايطاليا فسكن الحزن قلب المطران كبوجي الذي لم يستطع زيارة بلده الأم خلالها وذلك  لسوء الأوضاع الأمنية وتردي وضعه الصحي، فتم تجهيز قاعة استقبال مخصصة لأبناء الجالية السورية في كنيسة "سانتا ماريا ان كوزمودين"، وخصصنا يوماً من كل أسبوع لنجتمع مع المطران كبوجي ونتحدث عن بلدنا الأم سورية وكيفية الدفاع عنه ضد الهجمة الشرسة عليه، كما استطعنا وبمساعدة المطران كبوجي إيصال خمسة عشر سيارة إسعاف وعدة أجهزة لمشافي سورية".

                                 

"أنا مفتي سورية وعمّي هو المطران كبوجي"

 

بضحكة طويلة رغم حزن قلبه تلقى المطران كبوجي هذه العبارة "أنا مفتي سورية وعمّي هو المطران كبوجي" تلك العبارة التي أجاب بها مفتي الجمهورية العربية السورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، إحدى المنظمات الايطالية التي منحته جائزة " درع السلام"، وطلب من المطران تسلمها عنه  لتعذر ذهابه بسبب عدم السماح له بالسفر إلى إيطاليا، يتابع أبو عباس "وهذا يدل على التآخي بين الشعب السوري أي المسيحي ينوب عن المسلم ولا فرق بينهما  فهذه هي سورية الحقيقية".

                              

 

رحل الرجل المقاوم وأسدل الستار

في صبيحة الأول من كانون الثاني عام 2017 رحل الرجل المقاوم عن عمر ناهز الـ94 عاماً  وأُسدل الستار على مسيرة رجل دين عايش تحولات عربية كثيرة، ذلك الرجل الذي كان يطلب يومياً من الله بلهجته الحلبية "بطلب من الله لا يموّتني قبل تحرير حلب".

 يستذكر الدكتور أبو عباس يوم تحرير حلب "ذهبنا للقاء المطران وكان وضعه الصحي سيء لدرجة أن الكلام كان يصعب عليه فاستقبلنا بضحكته العالية رافعاً شارة النصر رغم الآلام والأوجاع ، وطلب منا تقديم القهوة التي كانت مشروبه المفضل احتفالاً بنصر حلب، وأضاف أبو عباس " يومها أوصانا المطران كبوجي بالذهاب للاعتصام والاحتفال في ساحة الفاتيكان بعد إقامة أول قداس في اليوم الأول من السنة الجديدة كما تعودنا في كل عام ورفعنا الأعلام السورية، وعند عودتنا  تلقينا خبر وفاته".

                              

 

ابن حلب عاشق القدس

ولد المطران  كبوجي في حلب سنة 1922، وكان مطراناً لـ (الروم الملكيين الكاثوليك) في القدس عام 1965، ووضع نفسه بخدمة قضية فلسطين وشعبها، ولعب المطران كبوجي دورا سياسياً عالمياً وشارك في وساطة الإفراج عن الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979، بعدما طلبت منه الولايات المتحدة التدخل فالتقى مع الإمام الخميني وتمت استعادة الرهائن و طلب المطران من الإمام السماح بفتح الكنائس المسيحية في ايران .

        

 

 كما توسط في أزمة الرهائن الإيطاليين بالعراق في بداية التسعينيات حيث طلبت الحكومة الإيطالية من المطران السفر للقاء صدام حسين والتدخل لفك أسراهم.

وفي 2009 شارك في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة وكرر المحاولة في 2010 مع سفينة مرمرة التركية وقال حينها: أنا ذاهب لأنني أب للفلسطينيين وأنا سعيد أن ألقى أبنائي بعد الغياب عنهم ثلاثين سنة، واعتقل ثم أخلي سبيله ونقل للأردن.

 

أبناء الجالية السورية سفرائنا في ايطالية

وأكد أبو عباس نحن كأبناء سورية في الخارج حاولنا أن نكون سفراء لبلدنا الأم فأقمنا العديد من الندوات وشاركنا في وقفات احتجاجية ضد السياسات العدوانية على سورية، كما كّونا مجموعة من الأصدقاء الإيطاليين وذهبنا وإياهم إلى سورية ليشاهدوا الحقيقة على أرض الواقع ، كما استطعنا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي بمساعدة أصدقائنا في عدة سفارات صديقة منها الروسية والفنزويلية... وتكلمنا مع عدة وفود منها الرومانية والفرنسية وشرحنا لهم حقيقة ما يجري في سورية.


عدد القراءات: 2652