شارك
|

أبو حسام.. قلوب أيضاً برسم التسليم

تاريخ النشر : 2016-07-20

بخجل أو بحزن باهظ ربما، كتب أبو حسام “70 عاماً- الصورة” عبارة “برسم التسليم” على كرتونة بيضاء صغيرة الحجم على شكل صندوق صغير، ووضعها على أحد رفوف محله الواقع في منطقة باب توما، المحل الذي صرف أكثر من ثلثي عمره بين جنباته، يبيع فيه أدوات الصيد بأنواعه، البري والبحري “صرلي بهاالمكان من التمانينات، كنت أول طلعتي لما اشتغلت بهي المهنة، وقضيت عمري فيها” قال السيد سمير حسواني، الذي استقبلنا في محلّه المكتظ بعلامات الحنين والألفة، المحل الذي بقي على حاله دون أن يتغيّر طوال تلك العقود، جلس حيث يجلس عادة كل يوم، بوجهه الصبوح وكلامه المنمّق والعفوي، وشرع بحديثه الذي تناوبت عليه تنهّدات الحسرة حيناً والحزن حيناً آخر، حسرة على عمل دفعه عشقه ليترك مصلحته الأساس “تصليح كهرباء وإلكترونيات” ويفتتح عملاً خاصاً بالصيد “من أول طلعتي وأنا بحب الصيد، وكنا نطلع رحلات صيد كتيرة، عالغوطة عالبادية والجزيرة وغيرا من المحلات”، إلا أن أحوال هذا العمل تراجعت كثيراً حتى إنها حسب أبي حسام انتهت “كنت بيع كل أدوات الصيد، الشباك والخراطيش وتياب الصيادة والفواشات والفشك اللي كنا ناخدو من مؤسسة معامل الدفاع، وكل شي بيخطر ببالك عن الصيد، هلا ما عاد حدا اشترى هي الشغلات، الحرب ما خلت نفس لأي هواية أو رغبة”، أما الحزن الذي طرزته الأيام في روح أبي حسام، بوجع غير خافٍ رغم مكابرته، فراح يعلو صوته الواثق، وهو يتكلم عن أيام تغيّرت وأحوال تبدّلت، عن ذكريات صارت موجعة وأصدقاء عمر كبروا وهرموا “ما ضل شي ما تغيّر بالحياة اللي بعرفها يا عم، كل شي بعرفو تغير، الألفة والمودة والجيرة والعشرة الطيبة، الحرب بتخرّب النفوس والتمن غالي، سورية بتبكي من اللي صار فيها” قال السيد حسواني.

 

من بيته في باب توما، انتقل السيد سمير وعائلته إلى منطقة جرمانا، لأسباب أدمت قلب الرجل وبقيت في دواخله لم يحكِها من باب “لا تشكُ للناس همّاً أنت صاحبه، لا يؤلم الجرح إلا مَن به ألم”، ما زاد في معاناته اليومية بالوصول إلى مكان عمله، لكنه ومنذ 35 عاماً لم يُخلف ميعاده مع مكانه الذي يحب، وها هو في السابعة صباحاً سيكون جالساً على كرسيّه في مكانه المعتاد، يستمع إلى نشرات أخبار تبدو كأنها من حقبة أخرى، رغم حداثة تاريخها، بينما شريط سينمائي من ذكريات متتالية يدور في خاطر الرجل. سألت أبا حسام عن سبب هذا الحزن الذي يكسو قسماته: “ليش زعلان عمّي أبو حسام؟ فأجاب: “ماني زعلان يا عم بس ماني مبسوط، الحياة صايرة صعبة كتير، يا دوب الواحد عم يحسن يأمّن احتياجاتو، مو فاضي حتى للزعل، الحزن ترف يا عمّ”.

 

السنون السبعون لم تؤثر في روح الرجل الذي راح يَعُدّ لنا بمزاج رائق بعد أن أستأنس بالحديث، الأدوية التي صار لزاماً عليه أن يستخدمها يومياً “مرمر قلبي يا عم من الدوا ومن هالأيام اللي وصلنالا” ختم أبو حسام.

 

تمّام علي بركات . البعث


عدد القراءات: 11377

اخر الأخبار